الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أخبرنا هبة الله بن محمد أنبأنا الحسن بن علي أنبأنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله ابن أحمد حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي فقالوا تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون أخرجاه في الصحيحين ومنهم موكل بالشمس ومنهم موكل بالقطر والرعد صوت ملك يزجر السحاب والبرق ضربه إياه بمخاريق ومنهم موكل بالرياح والأشجار قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس من شجرة تخرج إلا معها ملك موكل بها ومنهم ملائكة سياحون في الأرض يتتبعون مجالس الذكر وملائكة يبلغون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمته السلام وملائكة موكلون بمكة والمدينة ليمنعوا عنها الدجال إذا خرج ومن الملائكة من هو مشغول بغرس شجر الجنة قال الحسن إن أحدهم ليفتر فيقال له مالك فيقول فتر صاحبي عن العمل فكان الحسن يقول أمدوهم رحمكم الله وقال كعب إن في الجنة ملكا يصوغ حلية أهل الجنة منذ يوم خلق إلى أن تقوم الساعة أخبرنا محمد بن ناصر عن صفوان بن عمرو قال سمعت خالد بن معدان يقول إن لله عز وجل ملائكة أربعة يسبحون تحت العرش يسبح بتسبيحهم أهل السموات يقول الملك الأول سبحان ذي الملك والملكوت ويقول الثاني سبحان ذي العزة والجبروت ويقول الثالث سبحان الحي الذي لا يموت وقال هارون بن رئاب حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم تقول أربعة سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك وتقول الأربعة الأخر سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك وقال سعيد بن جبير أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة وقد روينا أن ملكا نصفه من نار ونصفه من ثلج وهو يقول يا من ألف بين الثلج والنار فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفى ء النار ألف بين عبادك المؤمنين.
يا غافلا قد طلب يا مخاصما قد غلب يا واثقا قد سلب يا حازما قد خلب كأنه به قد قلب إياك والدنيا فما الدنيا بمأمونة وتزود للسفر فلابد من مؤونة إذا قدرت على الكمال فلا ترض دونه واصدق في أمرك تأتك المعونة أين المغرورون بغرورها أين المسرورون بسرورها صاح بهم الموت فأجابوا واستحضرهم البلى فغابوا ظنوا بلوغ الآمال وتوهموا واعتقدوا دوام السلامة فلم يسلموا وأعلموا بالرحيل وكأنهم لم يعلموا وناولوا أنفسهم أعنة الهوى وسلموا كم هتف بهم نذير الفراق فلم يفهموا فلما بلغوا منتهى الآجال ولم يظلموا خلوا في ألحادهم بما كانوا قدموا. أف لنفس تؤثر ما يضيرها ما ترعوى وقد مر نظيرها ما تصغي إلى المواعظ وقد قال نذيرها أما نهاها لما علاها قتيرها أما لاح لبصر البصيرة مصيرها أما يرجع إلى العقول مستشيرها أتقدر على نفس إن تلفت تستعيرها قل لهذه النفس الجهولة في فعلها ويحها إنما تسعى في قتلها أما لها عبر ممن كان قبلها كأنها بها تبكي على الأيام كلها إذا حانت المنية وبعثت بعض رسلها وعبثت يد القاطع بموصول حبلها وامتدت كف الأجل إلى عرى الأمل تحلها. إخواني تأملوا العواقب تأمل من يراقب وتفكروا في النهاية فعين العقل ترى الغاية الموت قريب أمم كم أهلك من أمم لقد ارتهن الذمم وتشبث باللمم فيا من ستخلق منه الرمم أسماع أم صمم من ارتحل بغير الطبع حسن وحزم من علم شرف المطلوب جد وعزم إنما يكون الاجتهاد على قدر الهمم إنما ينافس في المطلوب على حسب القيم. أيها الشاب تدبر أمرك فإنك في زمن الربح ووقت البذر وإبان الفضائل احذر أن يخدعك العدو عن نفيس هذا الجوهر فتنفقه بكف التبذير تالله لئن فعلت لتغرسن بذلك شجرة الندامة فيتساقط عليك من كل فنن منها فن حسرة واعرف قدر ما تؤمن به هذا الجوهر من الفضائل واحذر من اختلاس العدو له فصابر فكأن قد انقضى الموسم.واعلم أن الشيطان يراصدك ليفتنك وقوة الطبع له عليك والشباب شعبة من الجنون فاكسر عادية الهوى بوهن أسبابه وقال أبو موسى طوبى لمن وفى شر شبابه وقال أبو بكر ابن عياش وددت أنه صفح لي عما كان في الشباب وأن يدي قطعت واعلم أنه لما كان جهاد الشباب ومخالفة الطبع صعبا صار الشاب التائب حبيب الله عز وجل إخواني من رأى التناهي في المبادي سلم ومن لم ير العواقب شغله ما هو فيه عما بين يديه يا هذا أما ما قد مضى من ذنوبك فليس فيه حيلة إلا التدارك فرب مدرك لما فات الأسى بالأسى وأنا أضرب لك مثلا لتحذر فيما بعد جنس ما كان قبل إذا راقت الحلواء لمحموم اعترك الهوى والعقل فالهوى ينظر إلى العاجل والعقل يتلمح العواقب فإن آثر مشورة العقل منع نفسه عما تشتهي نظرا إلى ما إليه الصبر ينتهي فإذا زالت حماه تناول من غير أذى ما اشتهاه وإن اجتذبه رائق المشتهى فأنساه المنتهى تمتع يسيرا ببلوغ الغرض فزاد به ذلك المرض وربما ترقى إلى الموت ولا تدارك بعد الفوت فيا عجبا لمختار العاجل وهو يعلم ندمه في الآجل لقد ضيع موهبة العقل الذي به شرف الآدمي وزاحم البهائم في مقام النظر إلى الحاضر.
أف لعيش آخره الندامة آه من سفر نهايته بداية القيامة إخواني هذا نذير الموت قد غدا يقول الرحيل غدا كأنكم والله والأمر معا طوبى لمن سمع فوعى كيف بكم إذا صاح إسرافيل في الصور بالصور فخرجت تسعى من تحت المدر وقد رجت الأرض وبست الجبال وشخصت الأبصار لتلك الأهوال وطارت الصحائف فقلق الخائف وشاب الصغار وبان الصغار وزفرت النار وأحاطت الأوزار ونصب الصراط وآلمت السياط وحضر الحساب وقوي العذاب وشهد الكتاب وتقطعت الأسباب فكم من شيخ يقول واشيبتاه وكم من كهل ينادي واخيبتاه وكم من شاب يصيح واشباباه برزت النار فأحرقت وزفرت غضبا فمزقت وتقطعت الأفئدة وتفرقت وقامت ضوضاء الجدل وأحاط بصاحبه العمل والأحداق قد سالت والأعناق قد مالت والألوان قد حالت والمحن قد توالت أين عدتك لذلك الزمان أين تصحيح اليقين والإيمان أترضى يومئذ بالخسران أما تعلم أنك كما تدين تدان.كم في كتابك من زلل كم في عملك من خلل هذا وقد قرب الأجل إي والله أجل كم ضيعت واجبا وفرضا ونقضت عهدا محكما نقضا وأتيت حراما صريحا محضا يا أجسادا صحاحا فيها قلوب مرضى عباد الله أطول الناس حزنا في الدنيا أكثرهم فرحا في الآخرة وأشد الناس خوفا في الدنيا أكثرهم أمنا في الآخرة يقول الله عز وجل أنا لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين إذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة وإذا خافني في الدنيا أمنته في الآخرة إخواني المؤمن يتقلب في الدنيا على جمرات الحذر في نيران الخوف يرهب العاقبة ويحذر المعاقبة فالنار متمكنة من سويداء قلبه إن هو هفا توقدت في باطنه نار الندم وإن تذكر ذنبا اضطرمت نار الحزن وإن تفكر في منقلبه التهبت نار الحذر وإن صفا قلبه لمحبة خالقه صار القلب جمرة بنار الفرق فإذا ورد القيامة عادت ناره نورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم فإذا جاز على الصراط لم تقاوم نار التعذيب نيران التهذيب فتنادى بلسان الاعتراف بالتفضيل جز فقد أطفأ نورك لهبي فإن هو حضر القيامة على زلل لم تصدق توبته منه فأوجب ذلك خمود نوره فقد خبت نار حذره في باطن قلبه فإذا لفحته جهنم فأحرقت ظاهره أحست بأثر شعلة الخوف في باطنه فكفت كفها عنه فلو قيل لها أين شدة شدتك وأين حديدة حدتك لقالت لا مقاومة لي بنيران باطنه وإن قلت: هذه صفة المؤمن فأين إيمانك هذا لذي الحسنات وقد خسر ميزانك شأنك الخطايا.فهلا قرح شانك يا مهملا نفسه سيشهد جلدك ومكانك اليقظة اليقظة يا نيام الحذر الحذر فقد سل الحسام الزهد الزهد قبل الفطام كأنكم بكم في أثواب السقام ترومون الخلاص وقد عز المرام فستندمون على ما مضى من الآثام وتخرس الألسن وينقطع الكلام إخواني أحضروا القلوب لهذا الملام تالله ما أكرم نفسه من لا يهينها ولا يزينها من لا يشينها دخل عثمان رضي الله عنه على غلام له يعلف ناقته فرأى في علفها ما كره فأخذ بأذن غلامه فعركها ثم ندم فقال افعل بي ما فعلت بك فأبى الغلام فلم يدعه حتى فعل فجعل عثمان رضي الله عنه يقول له شد شد حتى ظن أنه قد بلغ منه مثل ما بلغ ثم قال عثمان واها لقصاص الدنيا قبل قصاص الآخرة كان القوم تحت حجر المحاسبة وكأنك مطلق كان ابن السماك يقول ألا منتبه من رقدته ألا مستيقظ من غفلته ألا مفيق من سكرته ألا خائف من صرعته أقسم بالله لو رأيت القيامة تخفق بزلازل أهوالها وقد علت النار مشرفة على أهلها وجيء بالنبيين والشهداء لسرك أن يكون لك في ذلك الجمع منزلة وزلفى أبعد الدنيا دار معتمل أم إلى غير الآخرة منتقل كلا والله لقد صمت الأسماع عن المواعظ وذهلت القلوب عن المنافع وعظ أعرابي ابنه فقال أي بني أنه من خاف الموت بادر الفوت ومن لم يكبح نفسه عن الشهوات أسرعت به التبعات والجنة والنار أمامك.
|